تجربة الولادة الثالثة

كنتُ قد عزمتُ المكوث في بيت أمي آخر اسبوعين من شهريَ التاسع، بخلاف حمليَ الثاني لم يزرني طلقٌ كاذب طوال هذه الفترة والحمدلله، انتظرتُ بملل أي ألم يدعو للولادة، عجيب كيف نتحمل ٨ أشهر ثم وبمجرد دخول الشهر التاسع نفقد الصبر تماماً وتبدو الأربعة أسابيع المتبقية طويلة جداً! وضعت صغاري جوانا وأواب في فراشهما وتمددتُ بجانبهما حتى غطا في النوم، عدتُ لسريري اتقلب يمنة ويسرة، الضيق يقتلني، اتخيل غرفة الولادة والآلام الرهيبة وطفلٌ يقاتل حتى يفارق أحشائي، خُيّل إليّ حينها وخزات من الألم أسفل ظهري، ظننتها إحدى أفكاري البائسة التي تملكتني، لكنها عادت مجدداً ومجدداً، بدأت النظر في ساعة جوالي، رصدتها وهي تأتيني كل عشر دقائق، استمرت لساعة منتظمة، لم أشعر بألمها كما شعرتُ بالسعادة … نعم! هذه هي! ساعة الولادة قد اقتربت! 😎

أرسلت رسالة لطبيبتي مابعد منتصف الليل ولم أظنها ستقرأها إلا الصباح، لكني فُوجئت بردها سريعاً (انتظري ساعة أخرى، اذا لم تزل الآلآم توجهي للطواريء فوراً)، انتظرت وأنا ادعو ألا يتوقف الألم! ايقظتُ زوجي ليستعد ثم فُوجئتُ باستيقاظ أوّاب وجوانا في نفس الوقت على غير عادتهما! لم أشأ أبداً تركهما مستيقظان باكيان 😥 تمددتُ بجانبهما وكأن شيئاً لم يكن في حين أن الألم ازداد ويعتصرني بقوة، احتضنتُ جوانتي وغنيتُ لأوابي وأنا اتشقق ألماً بداخلي، مرت نصف ساعة ولا يبدو أن أيا منهما قادراً على النوم وكأنهما يشعران أني مفارقتهم 😦 نادتني أمي أن اذهبي يا ابنتي ولا تنتظري أكثر، ودعتها وتركت صغاري معها لستُ أدري أيوجعني فراقهما وهما يصرخان أم يوجعني منظر أمي المرهق وهي تحاول جاهدة تهدئتهما أم يوجعني الألم الذي اشتد أكثر وأكثر؟


انطلقتُ مع زوجي للمستشفى، كان متوتراً طوال الطريق بالرغم من حرصي ألا تصدر مني علامات الألم أبداً، حاولتُ التحدث معه بهدوء حتى يهدأ لكن لا يبدو أني نجحتُ في ذلك، وصلنا الطواريء، الهدوء يعم المكان، تم قياس الحرارة والضغط وأمور أخرى، طلب مني الانتظار فيي غرفة بها أم وطفلها المريض فيما يبدو، بالكاد استطعتُ المشي باستقامة، الآلآم تعتصرني لدرجة أني بدتُ امشي منحنية، سلمتُ عليها ودعوت لطفلها بالشفاء وبادلتني بأن دعت لي بولادة ميسرة

توجهتُ لغرفة الولادة، أتت الطبيبة المناوبة وبعد الفحص تبين أن الرحم مفتوح بمقدار ٥سم، ممتاز تجاوزنا نصف الرحلة وبقي النصف الأشد، ارتديتُ قميصاً مفتوح الظهر وتمددتُ على السرير، غرزت الممرضة إبرتها ووضعت محلولاً ومسكناً للألم، لفّت معدتي بشريط وجهاز قياس، جهزت القسطرة ثم غطتني بغطاء خفيف وقالت بابتسامة (خلاص مدام استني شوية) ثم تركتني في غرفة باردة مع ألمٍ يُسلم عليّ كل بضع دقائق يقتلني للحظات ثم يختفي، عاد زوجي بعد أن أنهى اجراءات المستشفى المعقدة، وقف بجانبي وامسك بيدي (هل كل شيء على مايرام؟) نظرتُ إليه وأنا أرجو ذلك فعلاً 😕

عادت الممرضة للتأكد من الأجهزة، ثم أخبرتني أن طفلي يبدو نائماً (مدام انتي جيعانة؟) أجبتها بالإيجاب، فطلبت مني أن أنام على جنبي وأجهل ماذا وضعت في المحلول، في الحقيقة لم أكن استطيع التركيز شعرتُ بدوار خفيف، جاءت طبيبتي وطمأنتني كل الأمور ممتازة الرحم ٧سم ولم يبق إلا القليل (فكيت المويه عشان أسرّع الولادة، حتحسي بسوائل تخرج عادي لا تخافي!) ثم ذهبت، وفي لحظات قليلة بدأ الألم لا يُطاق، سريعاً جداً لا يسعني حتى التقاط أنفاسي، زوجي يُحدثني يريد مساعدتي لكن ردي الوحيد كان الضغط على يديه بأقوى ما أملك مع دموع أبت إلا أن تسقط من شدة الوجع 😥 لم استطع قول شيء مطلقاً حتى عندما شعرتُ بخروج رأس الجنين لم استطع أن انطق بحرف! تركتُ يديه واشرتُ له أن يستدعي الطبيبة، تمسكتُ بحافة السرير بأقصى قوتي، وددتُ بشدة لو ينشق جسدي نصفين فيتركني نصفي السفلي الذي يدمرني من كل مكان، جاءت الطبيبة على عجل (ماشاء الله بنتي خلاص ولادة!) تألمتُ أكثر بالرغم من سعادتي بقرب النهاية، طلبت مني أن اعود من جنبي إلى ظهري، وتخيلوا يا أصدقاء … كان ذلك مستحيلاً! 😯

أنا لا أكذب حقاً حين أقول أن تغيير وضعيتي من الجنب إلى الظهر فقط … زاوية بسيطة … كانت مستحيلة! لم استطع الحركة، كأن قبضة كبيرة بأظافر حادة تلف أسفل ظهري وبطني بقوة مع كائن صغير يدفع للخروج وأحاول جاهدة إمساكه! صرختُ بهم أن حركوني كيفما شئتم لا استطيع الحركة، تعاونوا ثلاثة من الممرضات مع زوجي لتجهيزي بالوضعية المعتادة للولادة رفعوا قدميّ ومسحوا العرق عن جبيني (you can do it madam) فجأة وجدت كمامة في وجهي، دفعتها بعيداً واخبرت الممرضة أني لا أريدها، بالإضافة للألم تريدينني أن اختنق؟؟ أخبرتهم الطبيبة أني لا احتاج شيئاً (شاطرة هي تستحمل ماشفتوها كيف ماصرخت ولا صرخة إلى الآن؟) نظرتُ إليها بإعياء، لا أريد مديحاً خلصيني وحسب 😡 في كل مرة قالت لي ادفعي دفعت، واذا قالت توقفي تنفست، كانت مجرد دقائق بدت وكأنها سنوات، حتى أخبرتني فجأة (لا تدفي لا تدفي بنتي وقفي! كحي شوية) لا أدري ما الغرض من ذلك ولم أكن في وضع مناسب للسؤال، فعلتُ كل ما طلبته مني، في تلك اللحظة لم يبدو هناك أحداً سواها أصلاً، إلى الآن لا اذكر وجود زوجي أو الممرضات حولي، وكأن الغرفة رمادية ووجهها وصوتها والألم هم كل شيء!

خرج الرأس … وبسلاسة والحمد لله خرج باقي جسده، وضعوه مباشرة عليّ والدماء تغطيه، كتله من اللحم مغطاة بالدم! صغييييرة جداً! كنتُ مرهقة لدرجة لم استطع فهم أين رأسه من قدميه؟ حملوه بعيداً وقاموا بما عليهم القيام به، وضعتُ رأسي على المخدة، أخيراً انتهينا! 🙂 لاحظتُ أني ممسكة بيد زوجي طول الوقت دون أن اشعر، نظرتُ إليه وإلى يده الحمراء من قوة الضغط (أنا آسفة حقاً) بدا سعيداً (لا بأس، أنتِ بخير الآن؟) ابتسمتُ وأغمضتُ عيني وأنا مدركة أنها ساعاتي الأخيرة لأنام فيها بحرية وهدوء، انتهت الطبيبة من الخياطة وطلبت أن أُرضع الصغير وأنام لبعض الوقت حتى يختفي تأثير البنج

مرت ساعتان أو ربما ثلاث، أرضعتُ فيها صغيري وضممتهُ إلي، لم استطع النوم، كنتُ أتأمله طوال الوقت (هل أنتَ مرهق يا (سادن)؟ لقد كافحت للخروج إلى هذا العالم القاسي) كان شعوراً مسالماً جداً، متمددة وجميع أعضائي مسترخية وطفلٌ صغير بريء نائم بكل سلام في أحضاني وزوجي على الأريكة يأخذ غفوته بعد الصراع الذي شاهده ❤ كانت ساعات جميلة جداً، تلتها وضعي في غرفتي الخاصة مُزينة بشرشف السرير البنفسجي (لوني المفضل) أضاف دفئاً للمكان، انشغلتُ بعدها بالرد على جميع الاتصالات والمباركات، تناولتُ إفطاري وبي طاقة عظيمة للقيام بالكثير، أحضرت أمي أطفالي ليلتقوا بأخيهم الجديد، جوانا كانت سعيدة لدرجة أنها ما إن وصلت الغرفة بحثت الطفل قبل أن تبحث عني! أما أواب الصغير لم يشغل باله شيءٌ سوى الإمساك بيدي والالتصاق بجانبي فوق السرير، قررتُ أنهم سينامون معي الليلة في غرفة المشفى، كان قراراً متهوراً رفضتهُ أمي بشدة، لكني رأيتُ أنه الصواب، بالتأكيد لم أنم تلك الليلة بل لم تكن هناك مساحة في السرير لأنام عليها! لكنها ليلة وانقضت رأيتُ فيها سعادة أطفالي وراحة أمي .. أما الآن فقد عدتُ للمعاناة، الحياة مع ثلاثة أطفال، هل تمازحونني؟ :mrgreen: لديّ الكثير لأحكيه لكم بإذن الله

شكراً لمباركاتكم ومتابعتكم، مسرورة جداً بوجودكم

36 رأي حول “تجربة الولادة الثالثة”

  1. أحب تدويناتك، مليئة بشيء مميز
    والحمد لله على سلامتك وسلامة السادن الصغير 💙

  2. جميل جوانا ،، متابع لك من اول مولد لك ،، ومبروك المولود الثالث والله يحفظ لك عيالك يارب

  3. الحمدلله على سلامتك ^^ والله يعينك عليهم , أتخيل الهوشات من الأن
    سعيدة جدا بعودتك للتدوين

  4. قسم بالله دموووعي وانا اقرا , ولما طلع النونو بالسلامه شهقققت وبكيت , انتي تتكلمين بلسان كل وحده مرت بهالتجربه , بفضل الله عندي طفلين الله يحفظهم ويحميهم وكأنك تتكلمين عني .. الله يسعدك يافاتن , انا ملاحظه انك تنشطتي من فتره رجعتي للمدونه ولتويتر حبه كذا , لاتغيبين وجودك يسوي فرق ❤

    1. الله يسهل الولادة لكل أم، جميعنا نعاني ولكل منا قصتها وإن تشابهت بعض الشيء 😅
      بإذن الله مستمرة في التدوين بدعمكم 💜

  5. أولاً، الحمد لله على سلامتك، وعلى البركة المولود. دائماً استمتع بالقراءة لك، عِشت تفاصيل التجربة، وتعلمت منك الكثير. جهاد الأم في الحمل والولادة والتربية لهوَ أمر مُتعب وشاق ولكن ثِماره جميله عندما تشاهدينهم يكبرون ويزداد حبهم لك ويزداد نجاحهم في الحياة. متأكد انك تشعرين بالفخر كأم كلما نظرتي الى زوجك وإبنك وبناتك. في إنتظار تدويناتك القادمة.

  6. أحب كل تدويناتك ومن زمااان متاابعتك .. حمدلله على سلامتكما .. الله يباركلك فيهم ويحميهم😍❤️❤️❤️❤️

  7. الحمد لله على سلامتك .. مبروك طفلك الثالث الجميل .. الله يرزقك بره وبر اخواهم ويحفظهم لك
    ومبروك لنا عودتك للتدوين ,, انا فعلا سعيدة ,,اقراء التدوينات بكل بطء عشان ماتخلص : ) ..

  8. ذكرتيني بالولادة خصوصا وانا حامل الان بطفلي الثالث … احس بطني يمغصني … حمدالله ع سلامتك ومبروك ماجبتي…. كيف كانت تجربه ثلاث اطفال مرهقة ..؟؟!!

  9. الحمدلله ع السلامة ،، ويتربى في عزكم ان شالله
    تعرفت على مدونتك من فترة بسيطة ومستمتعة جداً في تجاربك وسوالفك عن الامومة 🙂

  10. حمد الله على السلامةًمبرووك المولود الجديد
    فجأءة تفاعلت مع تجربتك دخلت بعمق معك ومع الأحداث لدرجة بدأت احس بالدموع الحمد الله مر الموضوع بسلام رؤية المولود ينسيك كل التعب ،،،،،هههه ضحكتني وصف جوانا تبحث عن اخيها ،،،أعانك الله على غيرة أواب ،،،،بالمناسبة مامعنى اسم سادن ؟؟؟
    وسؤال آخر مالحكمة من بقاء أطفالك معك في المستشفى ؟؟ بصراحة انتى الام الوحيدة اللى تفعلي ذلك ماقرأت احد سوا زيك
    اعذريني على سؤالي 😇
    الله يحفظهم ويخليهم لك ويرزقك برهم

    1. سادن من سدنة الكعبة وهو القائم على خدمة الكعبة وزوارها
      بالنسبة للحكمة من بقاء الأطفال معي، مممم ليست هناك حكمة! كل مافي الأمر أن أطفالي معلقين بي بشدة وأعلم تماماً صعوبة تركهم مع الآخرين، أمي كانت مرهقة جداً ☹️ أردتها أن ترتاح ذلك اليوم فأخذتهم منها 🙂

  11. مباااارك مبااااارك يا فاتن ❤️💜
    الله يقر عينيكما بصلاحهم 🙏🏻

    مررت بهذه التجربة و لأول مرة قبل أسبوعين و رزقت بـ تميم الذي عندما أراه يزول عني كل ألم 💘💞

    ^ متابعتك من قبل زواجك ؛ يااااه كم أنتِ جميلة ومدوناتك وكتاباتك 💜
    بدأ شغفي من أشهر بالقراءة عن الحمل والولادة والأطفال ولم أجد نفسي إلا أن أعيد قراءة تدويناتك التي حفظتها عن ظهر قللب 💞
    حقيقة الأمهات قليل من يدّون ويشارك تجاربه ؛ اشكرك من أعماااااق قلبي على تدويناتك💜❤️

  12. مبارك تونا، قرّت عينك. أتابعك من قبل ولادة جوانا، ومن فترة خطر لي كيف كتبتِ عنها وعنايتك الشديدة بها. مُبارك لأولادك أمهم 🙂

  13. رزقتم بره وشكر خالقه وبلغ أشده

    مشاعر الولادة وقدوم مخلوق جديد إلى حياتك لا تصفه الكلمات

    لم أمر بالتجربة الكاملة حتى الآن

    عند ولادة ديما كنت في بلد وزوجتي في بلد ووصلت لها بعد ولادتها بساعات 💔

    وفي ولادة سعود منعوني من الدخول معها 💔

    اللهم جاز والدتنا عنا خير الجزاء ، وارزقنا برهن

  14. ألف الحمدلله على سلامتك فاتن الله يحفظه لك و باقي أولادك و يرزقك برهم و فرحة نجاحهم بعد هالتعب, استمري بالتدوين تدويناتك علم ينتفع به ههههههه الله يسعدك 3>

اترك رداً على فاطمة إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.